لماذا الدراسات الفلسطينية؟
حين يأتي ذكر فلسطين فإن الحديث في الغالب لا يتجاوز العبارات العاطفية الواصفة للمأساة، أو عبارات شجب واستنكار جريمة الاحتلال وما ترتب عليها من جرائم أخرى بحق شعب أصيل ضارب في جذور التاريخ كالشعب الفلسطيني.
على الرغم من مرور ما يزيد عن النصف قرن على احتلال فلسطين، إلا أن الكثير من الخطابات الموجهة عن تلك القضية ما زالت تتخذ من الضعف والانكسار نهجًا ثابتًا عند الحديث عنها.
نحن نحتاج الآن أن ننقل الصراع لمستويات أخرى من الندية والقوة؛ سيؤهلنا لها اعتمادنا على المعرفة والدراسة الدقيقة لحقيقة ما حدث في الماضي وما نريد تحقيقه في الحاضر والمستقبل.
من أكثر الأمور المميزة للغرب أكاديميًا هو توافر مراكز للدراسات المتخصصة عن كل مناطق العالم تقريبًا، يدرسون اليابان والصين والشرق الأقصى والشرق الأدنى وإفريقيا وأوروبا يهتمون بدراسة الأقطار حتى التي لا نعرفها ولم نسمع عنها.
لا نفتقر نحن العرب فقط لمراكز دراسات متخصصة في الشؤون الخارجية بل نفتقر لمراكز متخصصة في دراسة أنفسنا، وإن وجدت فهي ضعيفة كضعف البحث العلمي “العربي” بشكل عام؛ فإذا حاولت الحديث مع أحدهم عن فلسطين فلن يتجاوز الأمر سوى بعض المعلومات الدينية والعامة، والتي تكون قد مشوهة أيضًا وليست سليمة بالقدر الكافي لبناء معرفة فلسطينية سليمة.
لذا .. أنا أتحدث هنا عن الضرورة والمسؤولية العلمية والتاريخية التي تدفعنا لتبني الدراسات الفلسطينية والتعمق تاريخيًا وجغرافيًا وقانونيًا في لُب القضية، من أجل قيادة الصراع مستقبلًا والتأثير إيجابيًا في مساره.
في نكبة العام 1948 لم يكن فقط الإجرام الصهيوني هو السبب في انتصارهم واغتصابهم الأرض فقد توافرت قبل ذلك أسباب كثيرة، على رأسها ضعف المعارضة الفلسطينية سياسيًا إذ لم تتوافر الخبرة والحنكة العلمية في المواجهة ناهيك عن التشرذم والتفرق بين صفوفهم، على الجانب الآخر كان قادة الصهاينة “نخبًا” سياسية في أمريكا وأوروبا اعتادوا المراوغة وفنون السياسة بكل ألوانها علميًا وعمليًا فكانت الغلبة لهم برغم عتوهم في الكذب والتضليل إلا أنهم كانوا “مقنعين”.
عربيًا.. تتوافر بعض المنصات التي توفر بعض المعلومات سواء ثقافيًا أو أكاديميًا كمركز الزيتونة للدراسات وأكاديمية دراسات اللاجئين ومركز إسراء بلندن، إلا أننا ما زلنا في احتياج للكثير والكثير من الدراسين لتنشيط المجال نفسه وإثرائه، ونقل الثقافة الفلسطينية من غرف الدراسة وتبسيطها لرجل الشارع العادي في بلداننا العربية.
ختامًا.. الحقائق لا تثبت بالأغنيات والحقوق لا تسترد بالعواطف ومشاعر التعاطف، كي تكون مقنعًا للآخر يجب عليك الإلمام بأبعاد قضيتك من خلال دراستها بدقة، مما سيوفر لك إيمانًا عميقًا بها يؤهلك في النهاية لأن تنتصر.