مغامرات في أدغال التعليم 9 : تجربة أكاديمية التحرير
كنت قد أجريت مؤخراً حواراً مع مسؤولة التواصل المجتمعي في أكاديمية التحرير عن مشروع “انزل علم” والذي يهدف للمساعدة في تطوير عملية التعليم من خلال استخدام مبدأ التعليم المدمج والذي يجمع بين وسائل تعليمية مختلفة مثل الفيديوهات والاختبارات والتفاعل الحي وغيرها، حتى يتم خلق تجربة تعليمية مميزة تحفز عقول الطلاب وتساعدهم في التفكير والاختيار واتخاذ القرار.
في نهاية الفصل الدراسي الأول قررت الاستعانة بفيديوهات الأكاديمية التعليمية لمساعدتي على توصيل مفهوم الرياضيات الحقيقي للطلبة، واتخذتها فرصة لتشجيع نفسي على الدراسة على الموقع ومتابعة الدروس العلمية به مع طلابي.
بدأت مع الصف الأول الإعدادي والصف الثالث الإعدادي ولم تتوفر الفرصة نظراً لضيق الوقت في نهاية الفصل لعمل التجربة مع طلاب الصف الثاني الإعدادي، وأيضاً كنت قد قررت معاقبتهم بعدم مشاهدة الدروس كزملائهم إلا في بداية الفصل الدراسي الثاني.
جاءت نتائج التجربة الأولية كالتالي:
– تحمس طلاب الصف الأول كثيراً وفوجئت بتفاعل عدد منهم كنت نادراً ما أسمع صوته في الفصل يسأل أو يتفاعل مع زملاءه، وطالبوني بضرورة إعادة التجربة وظل البعض منهم يسألني يومياً هل سنقضي الحصة في معمل الحاسب – حيث نشاهد الدروس – أم ستكون حصة شرح تقليدية؟
– طلاب الصف الثالث، توقعت كبداية أن يسخروا من التجربة أو يقابلوها بعدم اهتمام، وهو ما لم يتم، ولكن نظراً لعدم كوني معلمة الرياضيات الخاصة بفصلهم لم أستطع تكرارها مرة أخرى، فهذه التجربة كانت في إحدى الحصص الاحتياطية التي توليت الإشراف عليهم فيها.
بعد كتابي عن التجربة على صفحتي الخاصة على فيس بوك، تواصل معي مسؤولين من الأكاديمية بعد قراءة ما قمت بكتابته عنها، ودعوني لزيارتهم والتحدث بشأنها، وهذا ما تم بالفعل، وبعدها اتفقت معهم على تكرار هذه التجربة في الفصل الدراسي الثاني بشكل مستمر، في إطار حملتهم لدعم مشروع “إنزل علم”.
بعد أسبوعين من بدء الدراسة اتفقت مع معلمة الحاسب الآلي على حجز قاعة الحاسب 4 حصص في كل خميس، حصتين للصف الأول وحصتين للصف الثاني.
لم يكن الأمر جديداً على الصف الأول بل كان تكملة لما قاموا به ولكن تفاعلهم كان يزداد في كل أسبوع، وتفاعلهم وتركيزهم وإجابتهم على الاسئلة المطروحة، بالإضافة لاستمتاعهم بطريقة الشرح في الدروس، أما بالنسبة للصف الثاني فكانت المفاجأة الكبرى بالنسبة إلي، فطوال فترة تعاملي معهم كنت أعتقد بأنه لا يوجد ما يستطيع أن يذيب الجليد الذي يجري في عروقهم بدلاً من الدماء، حالة من البرود والكسل وقلة التفاعل التي تصيبني بالضيق المستمر، لم أتخيل أن يهتموا بأي شكل بهذه الدروس التعليمية، ولكن شاء القدر أن يخذل توقعاتي للمرة الثانية بشكل أكبر.
طلاب الصف الثاني يتفاعلون بحماس أكبر من أي طلاب قمت بعرض الدروس عليهم، بل ويطالبون بضرورة زيارة فريق الأكاديمية لهم في المدرسة وأعلنوا عن رغبتهم في صنع مثل هذه الدروس، وسألوني إن كان بالإمكان تدريبهم على هذا الشيء، كل هذا كان في المرة الأولى فقط، لأدرك بأن المشكلة غالباً كانت فيّ وليس في الطلاب، ربما هم يحتاجون لطريقة تدريس وتعامل مختلفة غير زملائهم للتفاعل معها.
في المرات التي تليها قام أحدهم بتجهيز محتوى درس بل وقام بشراء قلم يشبه الذي كان يتم الشرح به في فيديوهات الدروس ليكتب مثلهم وقرر تصوير نفسه أثناء الشرح وإرسال الفيديو لهم.
استمرت التجربة طوال شهر ونصف تقريباً مع طلابي لم يعوقنا شيء عن تنفيذها سوى انقطاع الكهرباء مرة واحدة أثناء الشرح فاضطررنا لإلغاء الحصة.
قدمت تقارير مفصلة لكل مرة من المرات التي قمت بشرح أحد الدروس بها لفريق الأكاديمية، عكست بالنسبة إلي مدى التطور الذي يشهده الطلبة وتقبلهم للتغيير وانسجامهم معه بطريقة سلسة وربما أكثر اللحظات تأثيراً وإسعاداً لي في هذه التجربة، عند انتهائنا من سلسلة الفيديوهات المتعلقة بعلوم الرياضيات للصف الثاني الإعدادي وفي هذه المرة لم أحتاج للشرح أو بذل مجهود كالمعتاد مع الطلاب، فكانوا قد تكيفوا مع الأمر وأصبحوا هم من يديرون الحصة.
أيضاً في تجربة مختلفة قليلاً بالتعاون مع معلمة الحاسب والتي أبدت اهتمامها بطريقة الشرح والفيديوهات التعليمية، واتفقنا على أن نحتفظ بمنهج التكنولوجيا المقدم على الموقع على أجهزة المدرسة للسنة القادمة للبدء في تدريسها، وبالفعل قمنا بشرح أحد الدروس لطلاب الصف الأول الإعدادي وكانت تحدث عن التعليم الإلكتروني وكان مقدم الفيديو يتحدث عن أكاديمية خان التعليمية، وكيفية استعانة المعلمين في الدول الأجنبية بها للتدريس وجعلها كمرجع وطرق مساعدة في المذاكرة في بعض المواد، وتمنى أن يتم هذا الأمر في دولنا العربية قريباً، فقال أحد طلابي بأن هذا ما نفعله حالياً.
فقط إن كان هناك ما يمكن أن أضيفه لهذه الكلمات فهو بأن علينا الإيمان بقدرات طلابنا وأطفالنا ورغبتهم الحقيقية في التغيير والتطور فقط إذا أتيحت لهم الفرصة، وهم سيتكفلون بالبقية، كما فعل طلابي وأصبح عدد منهم متابعاً وفياً لدروس أكاديمية التحرير حتى بدون تشجيعي أو مطالبتي بذلك منهم.