فكرة

تقنيات الألعاب التحفيزية (6): تقييم عام

في التدوينات السابقة كتبت عن تجربتي على مدار 5 أسابيع حول دراسة مساق تقنيات الألعاب التحفيزية أو ما يُعرف باسم (Gamification).


بعد الانتهاء من دراسة المساق، تغيرت فكرتي تمامًا عن هذا الأسلوب المُتبع في الكثير من المجالات وليس التعليم وحده كما كنت أظن، ووجدت تشابهًا كبيرًا بينه وبين العديد من الأساليب التعليمية التي اطلعت عليها في الآونة الأخيرة.

راودتني العديد من الأفكار حول هذه الأساليب التعليمية، وتقنيات الألعاب التحفيزية تحديدًا، وكيف لها أن تتشابه مع نمط الحياة الذي نعيشه بشكل فطري، ونتعلم من خلاله دون أن ندري.

كلما قرأت وتعلمت عن عملية التعلم، زاد إيماني بكونها عملية طبيعية تحدث طوال الوقت، وليست بحاجة حقيقية لتدخل أنظمة ومؤسسات كي تخبرنا بمدى قدرتنا على التعلم وفهم العالم.

في الأغلب فإن العكس هو ما يحدث دائمًا، تدخل الأنظمة التي تعبث بفطرتنا البشرية في التعلم واكتشاف العالم هو ما تدفعنا لعدم الفهم والتعثر في مراحل قياس قدرتنا التعليمية بناء على أسلوب هذه الأنظمة.

نتوقف لمعرفة المشكلة، نحاول الوصول لحل، ثم نكتب خطوات هذا الحل المستوحى من الحياة في شكل أسلوب جديد نطلق عليه مُسمى خاصًّا بنا، ونظن أننا قمنا بابتكار الطريقة الفضلى للتعلم، ونبدأ بعدها في الخلاف حول الطريقة الفضلى من بين كل هذه الطرق، والترويج والدعاية لجذب اهتمام العملاء (الطلاب) وإقناعهم بأننا الأفضل، ولا يمكن أن تجد وسيلة تساعدك على الفهم والدراسة أفضل من هذه.

سئمت (التنافس المريض) بين مقدمي الخدمات التعليمية في العالم من حولنا، ولم يعد لدي هذي الحماسة المفرطة  لاكتشاف هذه الطرق الرائعة التي يتحدثون عنها ويروجون لها، ربما لهذا السبب عزفت لفترة طويلة عن الاطلاع على أساليب تعليمية جديدة.

إلا أن هذا المساق ومُقدمه الأستاذ إيهاب أبو داية الذي سبق لي اللقاء به شخصيًّا، أعاد لي فضولي في التعرف على أساليب التعلم من جديد، وخاصة هذا الأسلوب الذي نعرفه جميعًا باسم (التلعيب)، ولكنهم فضلوا في هذا المساق ترجمته إلى معنى أكثر وضوحًا وهو (تقنيات الألعاب التحفيزية).

في البداية كان لاختيار هذا الاسم العربي لمصطلح (Gamification) نتيجة أفضل في توقع ما سنقوم بدراسته، فالمطلوب هو استخدام بعض التقنيات من الألعاب في تحفيز الأفراد في بيئات العمل والدراسة والحياة بشكل عام.
بمعنى آخر سنحول الحياة إلى لُعبة كبيرة، سواء كانت حياتك التعليمية أو العملية أو الشخصية.

بعض الدوافع من هنا، على فهم نماذج وأنماط الشخصيات، ومعرفة كيف يتم تحفيز الأفراد وإدخالهم في حالة التدفق أو الدائرة السحرية من المتعة واللعب، مع وجود العقاب المقبول والتماشي مع مقدار الخطأ المُرتكب، بالإضافة لتوفر عدد لا نهائي من المحاولات وتقبل الفشل، كل هذا يخلق لنا بيئة اللعب المثالية.

لن أقوم بسرد التفاصيل التي ذكرتها سابقًا في التدوينات السابقة، والتي يمكن الاطلاع عليها لمعرفة قصدي تمامًا، لكن ما لاحظته هو أننا بالفعل نحيا داخل بيئة لعب مستمرة في حياتنا.

لكن في أغلب الأوقات تصبح هذه البيئة مملة بسبب عدم إدراكنا لطبيعتها، أو تعاملنا الخاطئ مع تقنياتها التي تحيطنا، وتدفعنا للتحدي والعمل والاكتشاف والتجربة وحتى الفشل من أجل تكرار المحاولات مرة أخرى، تمامًا كأسلوب التعليم المدفوع ذاتيًا.

أشعر وكأنه لا جديد سوى محاولة فهم طبيعة عملية التعلم التي خلقنا الله بفطرتنا عليها. بالطبع تختلف شخصيات وأنماط البشر، وتتغير الظروف الاجتماعية للمجتمعات البشرية، وتتدخل العوامل المختلفة التي تغير من فطرة هذا الإنسان، فنحاول الوصول إلى حقيقتنا مرة أخرى من خلال الملاحظة والتأمل وعرض النتائج التي تقودنا لطبيعتنا وفطرتنا من جديد.

كما ذكرت سابقًا في التدوينات السابقة، فإن تقنيات الألعاب التحفيزية قائمة بنسبة 75% على علم النفس البشري، و25% من التقنيات أو الأدوات اللازمة لتحقيق الهدف بشكل مادي أو ملموس.

السر دائمًا في الإنسان، مشكلة التعلم لا تتعلق فقط بالمناهج أو الأنظمة التعليمية أو حتى الأدوات الحديثة التي يستخدمها للوصول للنتائج الأفضل. المشكلات الحقيقية والعوائق غالبًا ما تتعلق بالنفس البشرية، وطريقة التفكير، كيفية التعامل مع العوائق والخوف، والتغلب عليها وتحفيز النفس للاستمرار وعدم اليأس. ومحاولة فهم طبيعة اليأس وتعريفه، هل اليأس هو الفشل؟ وهل يجب علينا الاستسلام عندما نفشل؟

هل الفشل هو نهاية المطاف؟ هل هو وصمة عار لا نستطيع محوها عنا؟ وهل هو خطأ لا يغتفر؟ أم هو أمر طبيعي حوله المجتمع إلى كارثة؟

بالنسبة إلي الفشل هو التجربة المستمرة، لا يمكنك أن تنجح دون أن تفشل بحق، الفشل كلمة ليست سيئة لهذه الدرجة إلا لو كانت هي كلمة النهاية في تجربتك.

وحتى أحيانًا عندما يمثل الفشل في نهاية المطاف استسلامك للواقع، يصبح هذا هو انتصارك وفهمك وتعلمك لطبيعة هذا الواقع الذي لا يمكن تغييره بطريقتك أو طرقك المتعددة التي حاولت استخدامها.

هناك العديد من الحوافز التي تدفعنا للعمل في هذه الحياة، بعضها ينبع من داخل أنفسنا، وبعضها الآخر خارجي بسبب عوامل الحياة، وتختلف ما بين خوف أو رغبة، ثم نبدأ باستغلال الفرص المتاحة المعروف نتائجها مسبقًا، أو حتى تلك التي لا نتوقع نتائجها، لكننا نكمل في الطريق على أي حال، لأننا على علم جيد بأن الحياة هي أرض المفاجأت، والتوقعات في الأغلب لا تصيب، والنتائج تأتي بقدر العمل الجاد. لذلك فإن كل ما نملكه هو العمل، ومحاولة اكتساب المرونة من أجل تخطي العقبات ومواجهة التحديات.

لكل منا شخصيته وطبيعته، ولكل منا طريقته في التعامل مع التحديات والحوافز. بعضنا قد يهمه النظر إلى النتائج كل فترة حتى يفهم موقفه الحالي ومدى تقدمه، ولا يرى مشكلة كبيرة في كونه مازال بعيدًا عن الوصول للقمة طالما كان مستمرًّا في السعي، لكنه يحب الجوائز المستمرة، الحوافز التي تجعله يكمل ويشعر بالإنجاز.

بعضنا الآخر لا يهتم بالمقاييس أو الترتيب، كل ما يفضله هو وجود تقييم لشكل أدائه، حتى يتعلم ويفهم ويتقن العمل بصورة أفضل، ولا يعير الألقاب والجوائز اهتمامًا كبيرًا. سعادته الحقيقة في الاكتشافات المتتالية التي يحققها في طريقه، وفي المعرفة التي يحصل عليها لتمنحه الفهم الذي يعطيه القوة.

بعضنا الآخر يرى إنجازه في التفوق على الآخرين، في هزيمتهم وتدميرهم. مقياسه هو مدى تقدم وإنجاز الأفراد الآخرين، وأخيرًا فهناك بعض يفضل التعاون والعمل من أجل تحقيق الهدف ضمن مجموعة، بدلًا من العمل منفردًا. هؤلاء الذين يقدرون ويفهمون قيمة روح الفريق والعمل الجماعي من أجل هدف موحد، ويعلون قيمة الجماعة على قيمة الفرد.

أحببت كثيرًا كل ما أكتشفه وتعلمته من خلال هذا المساق عن النفس البشرية وكيفية التعامل معها، وسعدت كثيرًا عندما قمت بعمل اختبار شخصية اللاعبين الذي أظهر لي طبيعة شخصيتي لأدرك أن ما كنت أتخيل قيامي به من عدم اهتمام كبير بالإنجاز والألقاب هو محاولة هروب أو فشل، لكنه في الحقيقة إعلاء لقيمة الاكتشاف والتعلم وتقدير الأداء الجيد.


زاد هذا المساق من اهتمامي بالتعرف على علم النفس التعليمي، وإدراك قيمته وضرورة الاطلاع عليه وتعلمه من أجل فهم كيفية حدوث عملية التعلم، ومحاولة تيسيرها وجعلها أكثر مرحًا بدلًا من تحويلها لعملية ضغط عصبي ونفسي مستمر يجعل عقولنا تتوقف عن العمل وتستجيب للأوامر المباشرة فقط تجنبًا لهذا الضغط.

أتذكرون هذه الجملة التي تقول “أننا لا نتوقف عن اللعب عندما نكبر، بل نكبر عندما نتوقف عن اللعب“؟

الآن أستطيع صياغتها بشكل آخر، نحن لا نتوقف عن التعلم عندما نكبر، بل نكبر لأننا توقفنا عن التعلم.

فطرة التعلم والشغف والحماسة لاكتشاف العالم وتحدي الصعوبات هي أعظم نعم الله علينا، قد نطلق عليها اللعب، أو التعلم أو الاكتشاف.

في النهاية لا يهم الاسم، المُهم أن نحتفظ بهذه الروح والدافع والأسلوب الذي يشعرنا بأننا مازلنا على قيد الحياة وقادرين على العطاء فيها، وهذا ما يجب أن تمنحه لنا الأنظمة والأساليب التعليمية مهما اختلف مسماها.

آية عاشور

أؤمن أن التعلم هو رحلتنا الحياتية، نقضيها في فهم كيف يسير العالم من حولنا وكيف نساهم فيه، نكتشف ذاتنا باكتشاف معالمه. أحب الرياضيات والرياضة وعالم الأنمي، وأكتب باستمرار عن تجاربي التعليمية. “إن الأمل جهد عمل والجهد لا يضيع” .. أبطال الديجتال 😉
Back to top button