نظريات التحفيز والدافع وراء التعليم
دائمًا ما كانت عمليةُ التحفيز مرتبطةً ارتباطًا وثيقًا بالعملية التعليمية؛ فوجود الدافع في حد ذاته يُعدُّ من صميم الطموحات والإنجازات للجنس البشري بأكمله.
لذلك يُعد التحفيز عاملًا مهمًّا جدًّا وأساسيًا للنجاح في التعليم؛ فبدون الروح القتالية لا يمكن النجاح، ليس تعليميًا فقط، ولكن في أمور الحياة كلِّها.
وحيث كان التعليم عملية لا نهائية، فيظل الإنسان يتعلم طيلة حياته؛ لذا كان من الضروري أن يوجد الدافع والمحفّز العالي لاستكمال عملية التعليم. حيث يشجّع الطلاب على مواجهة الظروف والتحدّيات الصعبة التي تواجههم، ولا يستسلموا لها بسهولة.
ما هو الدافع الإنساني؟
الدافع هو مفهوم نظري يُستخدم لتفسير وتوضيح السلوك الإنساني، والذي يوفر المحفّز اللازم للإنسان كي يعمل ويلبي احتياجاته.
كما يمكن تعريفه أيضًا بأنه مسار الفرد لعمل سلوكٍ ما، أو ما يثير رغبته في تكرار سلوكٍ ما، أو أن يحذو حذو شخصٍ ما.
فهو العملية التي تجعل الإنسان يبدأ في البحث عن أهدافه في الحياة، ويتخذ أفعالًا ومبادراتٍ من شأنها تحقيق هذه الأهداف أو تلبية طموحاته وتوقعاته.
في الماضي، لم يكن هناك تعريف قياسي للدافع وراء العملية التعليمية، ولكن بعض الفلاسفة مثل أرسطو وأفلاطون أيدوا ارتباط الدافع والمحفّز بالحالة الجسدية والعاطفية والمنطقية للشخص.
وفي الوقت الحالي هناك بعض التعريفات التي تخص الدافع وراء التعليم، مثل تعريف العالمة النفسية أنيتا وولفولك (Anita Woolfolk) – المتخصصة في تعليم الأطفال –الذي ينص على أن الدافع هو شعور داخلي يثير ويوجه ويحافظ على السلوك الإنساني؛ حيث يكون العامل الأساس الذي يقود ويحدد اتجاه السلوك وقوته وإصراره.
أما بالنسبة للتعريف العملي للدافع، فهو الإحساس والشعور المُقنِع الذي ينتاب الفرد، ودومًا ما يوفر الطاقة الإيجابية للطلاب من أجل إنجاز مهمةٍ أو نشاطٍ ما وإكماله للنهاية، بل تحفيزه على النجاح في تنفيذها مهما كانت صعبةً وقاسية.
وهو الإحساس الذي من شأنه أن يزرع القلق والتوتر دائمًا في العقل البشري، ولكن بالدافع الإيجابي نستطيع استغلال الطاقة الإيجابية وتطبيقها لتحقيق المهام المطلوبة.
وعلى الجانب الآخر، فإن الدافع السلبي يمثِّل السلوك الذي تحفّزه التوقعات والخوف من عدم القدرة على تحقيق النتيجة المرجوّة؛ فالخوف يعتبر دافعًا قويًّا – في حد ذاته – خصوصًا عندما يتعلق بمساعينا في الحياة والمستقبل.
الدافع وراء التعليم
الدافع وراء البحث عن العلم هو الذي يربط قوة الإرادة لدى طالب العلم بالأنشطة الأكاديمية التي يسعى لدراستها، وبجانب ذلك فإن مستوى التحفيز لدى الطلاب دائمًا ما ينعكس على انخراطهم ومشاركتهم في البيئة التعليمية.
فالطلاب المُحفَّزون – بشكل كبير – سيشاركوا بصورة عفوية في المجالات التعليمية بدون انتظار أو توقع أي مكافئات خارجية، وفي نفس الوقت لتحفيز الطلاب الذين لا يمتلكون الدافع الكافي تُستخدم هذه المكافآت من أجل إقناعهم بالمشاركة في تلك المجالات.
وبالتالي يمكن تقسيم العوامل التي من شأنها إيجاد هذا الدافع إلى سبعة عوامل كالآتي:
التحدي، الفضول، التحكم، الخيال، المنافسة، التعاون، الإدراك. وهي التي يُمكن إيجاد معظمها في الألعاب.
في الوقت الحالي فإن النقطة المرجعية في التعليم لا تقتصر على جذب الانتباه للإدراك المعرفي فقط، ولكنها أيضًا تُراعي دوافع وتفضيلات الطلاب؛ وذلك من أجل الوصول لعمليةٍ تعليميةٍ فعّالةٍ ومفيدة.
فبمقدور الدافع أن يخلق النجاح في اختياراتنا، وعلى النقيض تمامًا فإن نقص الدافع بإمكانه أن يخلق حاجزًا هائلًا يعيقنا عن الوصول للنجاح؛ فبسببه يسيطر علينا الشعور بالإحباط والانزعاج والذي بدوره يُسهم في تقليل إنتاجيتنا وربما سعادتنا في الحياة.
وهناك عدة أسباب ربما تؤثر في مستويات الدافع وراء العلمية التعليمية مثل قدرتنا على الإيمان ببذل الجهد، والوعي بقيمة وسِمات المهام الأكاديمية المطلوب دراستها. وسوف نذكر في هذا المقال بعضًا من نظريات التحفيز في العملية التعليمية.
نظريات التحفيز
كما ذكرنا فهناك عدة نظريات للتحفيز والتي تنتمي لعلم النفس، وسوف نستعرض منها ما يلي بقليل من التفصيل.
نظرية الدافع الداخلي والخارجي
الدافع الداخلي يُمثل القيام بفعلٍ ما وذلك بسبب القناعات الشخصية فقط، بدون توقعاتٍ خارجيةً أخرى.
حيث إن العوامل الأساسية لتحفيز الدافع الداخلي هي التحدي، الفضول، التحكم، الخيال.
وفي التعليم يتطلب وجود إرادة صُلبة وسلوك إيجابي؛ وذلك لتعزيز هذا الدافع الداخلي لدى الطلاب.
بالإضافة إلى أن الدافع الداخلي يوجّه الطالب إلى المشاركة في الأنشطة الأكاديمية فقط من أجل الحصول على المتعة، التحدي، التفرد. وذلك بدون أي ضغوطاتٍ أو إلزاماتٍ خارجية، وبدون انتظار أو توقع الحصول على أي مكافآت مقابل هذه المشاركة الفعّالة.
ولكن على النقيض الدافع الخارجي يُمثل البحث عن المحفّزات الخارجية مثل انتظار المكافآت، والارتباط بالالتزامات، وكذلك الخوف من العقاب.
وبناءً على هذا يمكن زرع الدافع خارجيًا – في المرحلة الأولية – في البدايات، ثُمّ البدء في تحويله إلى دافع داخلي في أثناء التعمّق في العملية التعليمية.
ويوفر هذا الدافع الخارجي قوة الإرادة والمشاركة في العملية التعليمية، ولكنه لا يستطيع البقاء أطول من الدافع الداخلي. فإذا تم تحفيز الطلاب دائمًا بالمكافآت والمجاملات والكلمات التشجيعية فسوف يعتادوا على تأدية المطلوب منهم فقط للحصول على هذه المكافآت، وليس من أجل مصلحتهم الشخصية.
وحيث تُعد العملية التعليمية عمليةً معقّدة؛ فإن الدافع يُعتبر حجر الأساس منها، وذلك بنوعيه الداخلي والخارجي. وبالتالي يجب أن يُحفّز الطلاب بصورةٍ كبيرة؛ لمجابهة التحديات وفهم العملية التعليمية، وليكون بإمكانهم تطبيق ما تعلموه في حياتهم الشخصية.
نظرية تقرير المصير
وهي تطور لنظرية الدافع الداخلي والخارجي، حيث تفترض أن الدافع يختلف ليس فقط في كميته (حجم الدافع) ولكن أيضًا في جودته (نوع وتوجه الدافع).
فالإنسان بفطرته مستقلٌّ بذاته – لديه الحرية في اختيار كيفية تلبية احتياجاته أثناء تفاعله مع البيئة المحيطة به – ويميل لملاحقة الأنشطة الحياتية التي يجدها ممتعة له في الأصل.
حيث إن أهم إنجازاته وإنتاجه وأكثرها إبداعًا تتحقق عندما يكون لديه الدافع الداخلي لإتمام المهمة، وحيث إن الأطفال الصغار يميلون في البداية إلى التصرف بناءً على دوافعهم الداخلية، ولكن – لسوء الحظ – في سنين المراهقة والبلوغ يواجهون تدريجيًا المؤثرات الخارجية والتي تدفعهم إلى القيام بأنشطة ليست ممتعة بالنسبة لهم. وتأتي هذه المؤثرات في شكل تحقيق الأهداف الحياتية، اتّباع القيم المجتمعية، انتظار المكافئات، محاولة اللحاق بالمواعيد النهائية لتجنب العقوبات التي تقع بسبب تأخيرها. وهذه المؤثرات ليست بالضرورة سيئة، ولكنها في نهاية المطاف قد تعيق وتدمر الدافع الداخلي لديهم؛ حيث إنه من المُلاحظ أن انتظار المكافآت يُنقِص من الدافع الداخلي بشكل كبير.
وقد طور الباحثان إدوارد ديسي (Edward L. Deci ) وريتشاد راين (Richard Ryan) نظرية تقرير المصير لتشرح كيف يتم تعزيز الدافع الداخلي لدى الفرد، بالإضافة إلى كيفية التحسين منه عند وجود الضغوطات الخارجية.
حيث إن الأهداف الداخلية – ضمن الإطار الاجتماعي – وثيقة الصلة بالبيئة التعليمية، فمن المهم للطلاب أن يركزوا أكثر على تحقيقها مقارنة بالأهداف الخارجية؛ وذلك من أجل تحقيق وتقديم أداء أكاديمي أفضل.
النظرية الاجتماعية المعرفية
طُبقت هذه النظرية في مجالات عدة مثل التعليم، والاتصالات، وعلم النفس.
وتشير النظرية إلى اكتساب المعرفة عن طريق الملاحظة المباشرة، والتفاعل، والخبرات المكتسبة، وتأثير وسائل الإعلام.
وتنشق هذه النظرية من بناء المعنى والمعرفة الناتجين من التأثيرات الاجتماعية؛ حيث أجرى عالم النفس ألبرت باندورا (Albert Bandura) تجربة لإثبات أن هذه التأثيرات بإمكانها أن تؤثر على الناس بما في ذلك الأطفال.
فالاستمرار في التعلم وبناء المعنى هو من ضمن وسائل التواصل بين أفراد المجتمع والتي انتقلت لشبكة الإنترنت في عصرنا الحالي (وسائل التواصل الاجتماعي). حيث تُظهر النظرية العلاقة المتبادلة بين السلوك والعامل البيئي والعامل الشخصي. فهي جميعًا متصلة ببعضها؛ فلكل فعل عواقبه التي تتبعه.
فالعوامل البيئية يمكنها أن تؤثر على الأشخاص وعلى قراراتهم، وهي تُصنَّف على أنها البيئة الاجتماعية والمادية التي يعيش بها الشخص (البيئة الاجتماعية هي العائلة والأصدقاء، بينما البيئة المادية هي وسائل الراحة والرفاهية).
وطبقًا للنظرية فإن التعليم التفاعلي يسمح للطلاب باكتساب الثقة من خلال الممارسة.
نظرية التوقع
طُورت هذه النظرية بناءً على بيئة العمل من أجل تحفيز العاملين، ثم لاحقًا توسعت لتشمل الجميع، فهي متعمقة أكثر في شرح طريقة ارتباط الدافع بالأشخاص.
فمن المعروف أن هناك علاقة وثيقة بين كمية الجهد المبذول في عملٍ ما والأداء الذي يمكن تحقيقه وبين تلقي التقدير على بذل هذا الجهد والأداء.
فتوضح هذه النظرية أن الجهد الكبير المبذول سيؤدي بالتبعية إلى أداء أفضل وما يتبعه من مكافأة؛ وبالتالي سوف يتحفّز الشخص لبذل مجهود أكبر لمواجهة الصعاب التي ستواجهه.
وطبقًا لفيكتور فرووم (Victor Vroom)، فإن الجهد والأداء وعوامل الجذب الداخلية كلها مرتبطة بالدافع الإنساني؛ حيث ترتبط هذه النظرية أكثر بالمكافآت الخارجية والتقدير والثناء على الجهد المبذول.
وهناك عدة مراحل قبل استلام هذه المكافآت، في المرحلة الأولى يجب أن يتم تحفيز الطالب بصورة كبيرة، ليصدق ويقتنع أنه سوف يقدم الأداء المطلوب منه، ويبذل أقصى جهد عنده.
ثُمّ تتم مكافأته على هذا الأداء الجيد، وتعرف هذه المرحلة باسم الوسيلة.
وأخيرًا تكون قيمة هذه المكافآت إيجابية، وهي تُعرف باسم عوامل الجذب الداخلية، وهذه هي المرحلة الأخيرة من نظرية التوقع.
الخلاصة
قمنا بمناقشة بعض نظريات التحفيز في هذه المقال، والفكرة الرئيسة كانت لتحديد النظريات التي يمكنها أن تُساهم بشكل فعّال في التحفيز للعملية التعليمية؛ حيث إنها عملية معقدة وتحتاج التوجيه والإرشاد لتحقيق الهدف منها بنجاح.
حيث تقوم النظريات بعمل حيويٍّ في القيام بالمجهودات الإلزامية، وإلا سوف تحيد هذه الجهود عن مسارها في تحقيق المهمة المرجوة منها؛ ولذلك قام الباحثون بتطوير النظريات المفاهيمية لتوجيه مسار هذه الجهود.
هذه النظريات مفيدة في العملية التعليمية، ولكنها أيضًا توفر المساعدة اللازمة لمواجهة التحديات المختلفة في الحياة.