مغامرات في أدغال التعليم – 10 تقييم شامل
ربما تكون المغامرة الأخيرة في رحلة التدريس الحالية كمعلمة رياضيات للصفوف الإعدادية، نظراً لظروف شخصية ورغبة في تحقيق أهداف مختلفة، بالإضافة لضيقي من التعامل بشكل مستمر مع بيئة محيطة في العمل في كثير من الأوقات تشعرني بجو الإتهام نظراً لتطبيقي أسلوب مختلف مع الطلاب.
لا أريد أن يبدو الأمر كاستسلام وأظهر كضحية، ليس كذلك على الإطلاق، فقط هو رغبة في تحقيق المزيد من النجاح والتعال مع عقول أنضج وأكثر فهماً وتعلماً، لكي أطور من نفسي وأستطيع أن أفيد طلابي وغيرهم من الطلبة في مجال التعليم بشكل أفضل، بالإضافة لإدراكي عدم قدرتي على التدريس بشكل سليم تماماً نظراً لعدم دراستي مواد تربوية أو اطلاعي على سبل تدريس متطورة في الفترة التي قضيتها.
ما الذي استفدته، ما الأخطاء التي وقعت بها، ما هي أفضل وأسوأ لحظات مررت بها ؟
ها هو تقييمي لتجربتي لمن يهمه الأمر.
بداية تجربتي في التدريس منحتني شعور بالأمل لا متناهي أثناء تعاملي مع تلك العقول المتعطشة للتغيير، والتطور في شكل التجربة التعليمية، وهم أفضل من سيساهم في هذا الأمر إن تم منحهم الفرصة فقط، هم قادرين على قيادة هذه التطوير بالتدريب والتوجيه السليم ليس إلا.
في اعتقادي، من أسوأ العوامل في العملية التعليمية هو المعلم نفسه، والأمر لا يوجد به تحامل من طرفي، صحيح نحن نواجه نظام يوم دراسي سخيف وممل، والمناهج محشوة ومليئة بما لا يطيقه أي عقل سوي، والمدارس غير مجهزة بأحدث الأدوات، وكل هذه العوامل لا يمكن تجاهلها أو عدم إلقاء اللوم عليها، ولكن يمكن التعامل مع هذه الصعوبات في حال كون المعلم يرغب حقاً في تقديم تعليم متميز لطلابه، إن أراد يمكنه أن يبتعد تماماً عن أسلوب المناهج السخيف، وتشجيع طلابه على الاطلاع على العلوم المختلفة وهناك العديد من القنوات التعليمية المتاحة سواء عن طريق الكتب، أو الإنترنت، أو الفعاليات والأنشطة وحتى التلفاز.
الشعور بالندية وتحدي الطالب، السب والضرب وعدم القدرة على التعاطي مع نفسيات الطلاب ومشاكلهم بصدر رحب نظراً لعددهم الهائل في الفصول، ويمكن القول أن هذه مسؤولية تتحملها وزارة التربية والتعليم والدولة، ولكن الطالب في النهاية لا ذنب له في هذا الأمر، ولا ذنب له لتحمل غضب المعلم وضيقه من مشاكله الشخصية والشحنات السلبية التي يفرغها فيه كل يوم، انتهاج مهنة التدريس فقط من أجل الحصول على طلاب يوفرون له فرصة كسب سريع من خلال إعطاء دروس خصوصية، هي الكارثة بحد ذاتها، برغم إيماني أيضاً بإن أجور المعلمين كانت لا تكفي لمعيشة كريمة، ولكن بدأ هذا الأمر في التغيير تدريجياً للأفضل، لا أقول إنه الوضع الأمثل، ولكنه أكثر حفظاً لكرامة المعلم من ذي قبل.
أكبر الأخطاء التي وقعت بها وأشعرتني بالمسؤولية الكبيرة، كما ذكرت سابقاً عدم دراستي لعلوم النفس التربوية أو اطلاعي على طرق تدريس مناسبة للتعامل مع جميع الطلاب بشكل سليم، لجوئي لإدارة المدرسة في بعض الأوقات للتعامل مع مشاكل الطلاب بطرق لا ترضيني إطلاقاً، وعدم قدرتي على الدفاع عن وجهة نظري بشكل قوي أمامهم، وقتها كنت أشعر بأني أخذل طلابي أو أخن ثقتهم ورؤيتهم لي كشخص مختلف لن يتعامل معهم بنفس الأسلوب.
أسوأ اللحظات التي مرت علي، عندما كنت أفشل في التعامل مع مشكلة تواجه الطلاب، أو لا أستطيع أن أصد عنهم غضب أحد المعلمين أو العاملين في الإدارة ومعاقبتهم بشكل غير آدمي، ويحمل الكثير من الإهانة لكرامتهم.
وأفضل اللحظات التي سأختم بها مقالي هذا، هي وقت ابتسامتهم لي عند رؤيتي، أولى الورود التي حصلت عليها ليس من حبيب عاشق كما في الأفلام، بل كانت منهم ومازالت أحتفظ بها بعد تجفيفها، هداياهم البسيطة مثل الخواتم المصنوعة من زعف النخيل، التي منحني إياها طالبتين مسيحيتين في المدرسة بعد احتفالهم بعيد أحد الزعف، كتاب تعلم اللغة الفرنسية من محمود عند علمه بحبي لتعلم اللغة الفرنسية، وتجهيزنا لغرفة الحاسب عند التحضير لزيارة يحيى لإعطائهم محاضرة (Open I.T.).
عندما تغلبت عليهم في تحدي حصة الألعاب ونحن نلعب (Black shoes)، أحضانهم في نهاية كل فصل دراسي لأننا سنغيب عن بعضنا لفترة من الزمن، تحول مشاعر بعضهم من كره لحب لمادة الرياضيات، وتصريح ريم برغبتها في أن تصبح معلمة رياضيات مثلي مستقبلاً.
والكثير من اللحظات والمشاعر الرائعة التي لا أستطيع أن أحصرها في مقال واحد، فقط يمكنني تلخيص ما تعلمته من هذه التجربة في فكرة واحدة، وهي أن التعليم هو القدرة على بناء إنسان أفضل يستطيع التعايش مع غيره، ومنحه القدرة على الحياة بشغف وتطلع وأمل.