اصفع هذه الفتاة….!
لدينا مجموعة من الصبية تتراوح أعمارهم بين السابعة والحادي عشر، تعرف على أسمائهم أولًا حسنًا لدينا مجموعة من الصبية في إحدى الدول الأوروبية، تعرف أولًا على أسمائهم، كم عمرهم ؟ يتراوح ما بين السابعة والحادي عشر؟ حسنا، ابدأ التصوير.
ماذا تريد أن تصير عندما تكبر ؟
– رجل إطفاء، خباز، صانع بيتزا، …. إلخ
لماذا ؟
– أحب أن أنقذ الأرواح، أحب صنع الفوضى، أحب البيتزا !
تعرفوا على “مارتينا”، ينظر الأطفال إلى تلك الفتاة الجميلة بجانبهم وترتسم على وجههم ابتسامة إعجاب.
ماذا تحبون في “مارتينا” ؟
– عينها، حذائها، يديها، فقط شعرها أقسم بذلك ! أحب كل شيء.
عبر لها عن إعجابك بها.
– أنتِ فتاة جميلة، أود أن أصبح رفيقك.
والآن عانقوها ! يربت الأطفال على ذراع ووجنة “مارتينا” برقة ولطف.
اصنع وجهًا مضحكًا لتجعلها تبتسم
– تبتسم “مارتينا” لتلك الوجوه المضحكة أمامها.
هناك أمر أخير، اصفعها .. وبقوة!
ينظر الأطفال في صدمة ويبتسم بعضهم خجلًا من الطلب الغريب، أحد الأطفال يرفض قائلًا: “لا”، الآخر يقول: “لن أفعل هذا”، ويكتفي أحدهم بهز رأسه في إشارة لرفضه تنفيذ الأمر.
لماذا ؟ لماذا ترفض وتقول لا ؟
– لأنها فتاة!، لا أستطيع فعل ذلك.
– لأنه ليس من المفترض أن تضرب فتاة.
-لأنني لا أريد إيذائها.
– المسيح لا يريدنا أن نضرب الآخرين.
– قبل أي شيء لن أضربها لأنها جميلة، ولأنها فتاة.
– لأنني ضد العنف.
– لأنه كما يقال ” غير مسموح بضرب الفتيات بزهرة أو حتى باقة زهور.”
– لأنه أمر سيء.
انتهى التصوير، وانتهى معه الفيديو الذي قمت بمشاهدته لدراسة رد فعل الأطفال على العنف ضد النساء، وأتذكر أحد المواقف التي قامت بكتابتها صديقتي على صفحتها الخاصة على موقع فيس بوك، عندما ساعد ابنها أخته في طريقهم للعودة من المدرسة وحمل حقيبتها بدلًا عنها، فنهره صديقه الذي لا يتعدى عمره العشر سنوات قائلًا بأن هذا لا يجوز، ويجب عليها أن تساعده هي لأنها الفتاة! في إشارة منه لفكرة فرضية الخدمة التي يجب أن توفرها الفتاة للذكر في المنزل أيًا كانت صفته، وخاصة عندما تكون أخته، طفل في العاشرة من عمره يرى أن أخته لا تتعدى كونها خادمة له ولطلباته.
أتذكر أيضًا في أحد النقاشات التي دارت بين طلاب الصف الأول الإعدادي وفريق “صناع الحياة” الذي كان يقوم بعقد دورات تدريبية للطلاب في المدرسة وكان موضوع النقاش هذه المرة هو العنصرية بكل أشكالها، حضر النقاش اثنان من متطوعين “صناع الحياة” ومعلمة الدين المسيحي “ماري”، وأنا.
تحدثت “يارا” إحدى طالباتي عن فتيان المعهد الأزهري الإعدادي الذي يقع على بعد أمتار من مقر مدرستنا، وما يقومون به من محاولات التعرض للفتيات المارة في الشارع بألفاظ سيئة، بالإضافة لسوء أخلاقهم الشهير، وهذه حقيقة لا اتهام، يشتهر هذا المعهد “الأزهري” بسوء أخلاق وفساد طلابه، كان رأي “يارا” أن المسيحيين أفضل من المسلمين، ويارا مسلمة بالمناسبة، لأنها لم ترى فتى مسيحي واحد يقوم بمعاكسه فتاة كما يفعل هؤلاء الطلاب المفترض انتمائهم لمؤسسة تعليمية دينية، أضاف أصدقائها بأن الكثير من الطلاب المسلمين وأصدقائهم المراهقين لا يرون أي مشكلة في مضايقة أي فتاة مسيحية تسير في الطريق، ويبررون ذلك بأنها “كافرة” لذلك حلال للمسلمين التمتع بها، ولا يوجد ذنب عليهم.
أقرت “ماري” بصحة ما تقوله “يارا” في بعض المواقف، وأنها تسمع تلك المضايقات والتبريرات من الشباب وهي تسير عندما يناديها أحدهم في الشارع “يا مسيحية!” ولكن كما يوجد شباب مسلمين فاسدين أخلاقيًا، يوجد شباب مسيحيين مثلهم، ولكن “يارا” لم تتعرض لهم من قبل.
الحديث عن العنصرية في وطني لا ينضب، حاولنا الشرح للطلاب بأنه حتى مجرد التفكير بأن المسيحيين عمومًا أفضل من المسلمين أو العكس، هو تفكير عنصري، في النهاية أنت تتعامل مع شخص واحد لا يمثل طائفة بأكملها، وعليك دائمًا بالرجوع لأصل الفكر أو المعتقد والقراءة عنه لكي تستطيع أن تصدر الحكم الصحيح بشأنه.
الموقف الذي ذكرته “يارا” يمثل وجهين من وجوه العنصرية المتعددة في بلدي، والتي للأسف قابعة في عقول طلابي بمباركة أهلهم وتربيتهم الذي يعتقدون بأنها تربية صحيحة و”دينية”.
الكثير من المشكلات العاطفية التي يُطلب مني حلها بين الطلاب، حيث أن فلان يحب فلانة والآخر يريدها له، ثم فلان ترك علانة بعد إسائته لها.
بسؤال أحد طلابي لماذا تفعل مثل هذا الأمر ؟ أجابني بأنه لابد من التجربة، لكي يتعلم الإنسان.
ماذا لو أرادت أختك أن تجرب مثلك ؟
أخبرني بأنه لن يتركها كي تصل لهذا الحد من “الضياع”.
بدورهم سألني إثنان من طلابي، لماذا تحذرينا من عقد علاقات عاطفية مع الفتيات؟ أخبرتهم بأنني أحترم العلاقات بين البشر بشكل عام، وعلاقة الحب بين الرجل والمرأة يجب أن تكون على قدر من الاحترام والتقدير لكل من الطرفين، لا ألعب بمشاعر الآخرين والتعامل معهم على اعتبار إنهم وسائل تسلية، فالإنسان قيمته أكبر من ذلك بكثير!
لا أود أن أتحدث بلهجة عنصرية أو أتبنى وجهة نظر طلابي بخبرتهم الصغيرة في العالم، ولكن إلى حد ما كان حديث “يارا” صحيح بشأن نشأتنا جميعًا في مجتمعات عربية عنصرية، وحديثي عن مصر على وجه الأخص، عنصرية وتعالٍ على الآخرين بسبب معتقدنا الديني وفقط، على الرغم من عدم تمسكنا به حتى! نحن لا نمثل الصورة الصحيحة للمسلمين، دائمًا أرى أن من يتحدث بتعالٍ عن كونه مسلم وأفضل من أي “كافر” آخر، هو شخص فاشل بدون قيمة حقيقية في الحياة يحاول تعويضها بقوله هذا. مثله مثل من يرى في نفسه الأفضلية بسبب جنسه “ذكر” على الرغم أيضًا من إنه لم يملك من شأنه شيء في اختيار جنسه.
هذه الأفكار التي تربينا عليها ربما توضح لنا لماذا كانت هناك حالة من الاستهجان والاستنكار لعدد كبير من الشعوب الأجنبية والكتاب والإعلاميين ضد حالة الهجوم الشرسة على المسلمين بعد حادثة “شارلي إيبدو”.
فكما كان يري بعضهم إن المسلمين جميعًا في حالة اتهام وعليهم بشرح موقفهم والاعتذار عن الفعل الذي قام به مجموعة من الإرهابيين لا يمثلون الإسلام، كان للآخرين موقف دفاعي كبير عن المسلمين واستغراب المطالبة برد الاتهام عن أنفسهم ضد هذه الأفعال التي لا تمثل سوى مرتكبيها فقط.
الأمر الذي أعلم جيدًا أنه لو حدث في دولة مثل مصر لن يمر مرور الكرام وربما رأينا مطالبات بذبح كل من يدين بعقيدة أو فكر من أرتكب الحادث، والأمثلة كثيرة على مدى الأربع سنوات الماضية في الثورة.
في النهاية أصبحت أرى أن بداية الإرهاب الحقيقي سواء كان متمثل في صفع فتاة أو معاكستها، أو تفجير جريدة، يبدأ من حديث “يارا” من إجابة طلابي عن رغبتهم في التمتع وخوض التجربة، من رفض الطفل الصغير لمساعدة ابن صديقتي لأخته، في ظل مجتمع يعيش على مبدأ هذا ما وجدنا عليه آبائنا في عقيدته وفكره، أمامنا الكثير لنغيره في مستقبل هذه البلاد.